بسم الله الرحمن الرحيم
علينا أن نتفكر أثناء الأكل في بعض نعم الله علينا في الطعام ونستحضر في ذلك الفيلم الذي يصوره لنا القرآن في قول الله {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ {24} أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً{25} ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً{26} فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً {27} وَعِنَباً وَقَضْباً{28} وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً{29} وَحَدَائِقَ غُلْباً{30} وَفَاكِهَةً وَأَبّاً {31} مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ {32} عبس
وقد قال في ذلك احد الحكماء [من أكل ولم يشهد المنعم فقد سرق] أي أن الذي يأكل ولم يشهد فضل الله عليه في هذا الطعام وعناية الله تعالى به في هذه الكثرة الكاثرة من ألوان الطعام على اختلاف أشكالها وألوانها وتنوع مذاقاتها وتوفر العناصر الضرورية التي يحتاجها الجسم بها فقد جحد المنعم عز وجل
ثم بعد ذلك يشهد أن القوة التي ظهرت عليه أو فيه إنما هي من اسمه المقيت عز وجل وليست من الطعام لأن الطعام سبب والقوة والفعل من مسبّب الأسباب عز وجل وفى ذلك قيل
من يشهد الغير فعالا فمنقطع ..... لأنه مشرك قد مال للسفل
فلو كانت القوة من الطعام لكان الأغنياء الذين يجمعون على موائدهم كل ما لذ وطاب من أنواع الطعام والشراب أقوى من الفقراء الذين لا يكادون يسدون ضروراتهم من الطعام والشراب إلا بمشقة بالغة
ولكننا نجد العكس هو الصحيح فالصحة والقوة والعافية نجدها مع الفقير الذي لا يأكل إلا لقيمات يقمن صلبه بينما نجد الكسل والتراخي والضعف مع النّهم الذي يأكل كل شيء حتى نتيقن أن القوة من القوى عز وجل فهو وحده {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} الروم54
هناك آداب يجب أن نراعيها بعد انتهائنا من تناول طعامنا وأبرزها ما يلي :
1 - يجب أن نقوم قبل أن تمتلئ المعدة بالطعام أي لا تصل إلى حد الشّبع للحكمة التي تقول {نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع فمن أين يأتينا المرض؟}
وعملا بما ورد {الْمَعِدَةُ بَيْتُ الدَّاءِ وَالْحَمِيَّةُ رَأْسُ الدَّوَاءِ}
وقد أثبت العلم الحديث أن معظم أمراض المعدة والأمعاء بل والجهاز الهضمي إنما يرجع سببها الرئيسي إلى الشبع والتخمة
ثم نحمد الله بأي صيغة أو بما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال صلى الله عليه وسلم {مَنْ أَكَلَ طَعَامًا فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلا قُوَّةٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ}[1]
ثم نقول (اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار) إلا إذا شربنا لبنا فنقول بعد شربه كما كان يقول صلى الله عليه وسلم {من سقاه اللَّه لبنًا فليقل : اللَّهُمَّ بارك لنا فِيهِ وزدنا منه فَإنَّهُ لَيْسَ شيء يجزئ مكان الطعام والشراب غير اللبن}[2]
وبعد أن ننتهي من الطعام ونحمد الله نغسل الفم واليدين كما غسلناهم قبل الطعام وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم {بَرَكَةُ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قبْلَهُ وَالْوُضُوءُ بَعْدَهُ}[3]
والوضوء هنا معناه غسل الفم وغسل اليدين لإزالة ما بهم من دسومة والمحافظة على نظافتهم ولذا فمن المستحسن غسلهم بالصابون أو أي منظف حتى لا نسمح بتكون الجراثيم عليهم
ويستحسن بعد ذلك أن نخلل أسناننا سواء بالخلة أو بما شابهها من مستحدثات العصر ولا نبتلع بقايا الطعام التي تخرج من بين الأسنان ولا يخفى ما في بقايا هذه الأطعمة إذا تركت بالفم من عفونة وروائح كريهة يشمئز منها المحيطون بالإنسان والإسلام حريص على ألا ينبعث من فم المؤمن إلا الروائح الطيبة ولذا قال صلى الله عليه وسلم {مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلاً فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا}[4]
ولما شق ذلك على أصحابه قال لهم صلى الله عليه وسلم موجها إلى الطريقة الصحيحة في أكل الثوم والبصل {أميتوها بالطبخ}[5]
أي كلوها مطبوخة لأن الطبخ يذهب برائحتها وبقيت الكراهة لها إذا أكلت نيئة لأن أكلها نيئة يبقى رائحتها وهذا ما لا يقبله الإسلام وهذا ما جعله صلى الله يقول: { حبَّذا المتَخلِّلونَ مِنْ أُمَّتي}[6]
[1] رواه أحمد والحاكم عن معاذ بن أنس
[2] رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث ابن عباس رضي الله عنه
[3] رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم عن سلمان رضي الله عنه الحديث قال عنه ابن تيميه قد تنوزع في صحته [4] أخرجه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما
[5] أخرجه مسلم عن عائشة رضي الله عنها
[6] رواه الطبراني في الأوسط وهو في صحيح الترغيب