السيطره على الخلافات الزوجيه ، حلول للخلافات الزوجيه
لخلافات الزوجية
الحياة الزوجية قوامها المودة والرحمة، والحب والتفاهم، وحسن العشرة، والمشاركة، والتعاون، والشياطين تسعى بكل ما أوتيتْ من حيل للإفساد والتفريق بين الأزواج، فهي لا ترجو الصلاح ولا الاستقرار للمسلمين.
وأعلى الشياطين منزلة عند إبليس، وأقربهم إليه، وأدناهم منه منزلة؛ ذلك الذي يفرق بين زوجين. قال صلى الله عليه وسلم: (إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه (جنوده)، فأدناهم منه منزلة: أعظمهم فتنة (إغواءً وإفسادًا) يجيء أحدهم، فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئًا. ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقتُ بينه وبين امرأته، فيدنيه منه ويقول: نِعْمَ أنتَ، فيلتزمه (أي: يحتضنه)) [مسلم].
وقال تعالى: {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون} [البقرة: 102].
فعلى كل زوجين أن يعلما أن شياطين الجن والإنس لهما بالمرصاد، فهم يتربصون بكل زوجين، ويضمرون لهما العداوة والبغضاء، فيصعِّدون الخلافات البسيطة مما يجعلها ذات حجم أكبر من أصلها، وربما كانت سببًا في إحداث الفرقة بينهما.
لا للخلافات الزوجية:
هذا هو الشعار الذي يجب أن يرفعه الزوجان، وذلك بأن يجعلا المناخ الأسري، والعلاقة بينهما بلاخلافات، وليس فيها مكان للمشكلات، وأن تكون العلاقة بينهما تربة صالحة، لا تنبتُ إلا الزهور والورود، ولا تعرف الأشواك، وإذا عرفتها، عرفت كيف تتعامل معها، حتى لا تتأثر بها وتتضرر، لكن الوقاية خير من العلاج، وخصوصًا في الخلافات الزوجية، فيجب وأْد هذه الخلافات مبكرًا، وأن تُجتزَّ من جذورها قبل أن يقوي عودها، ويصعب نزعها.
ويجب على الزوجين أن يسرعا في علاج الخلافات في بدايتها، وأن لا يهملا هذا الأمر، فالتواني والقعود عن حلها يعني تأصيلها وتغلغلها في جسد الحياة الزوجية. وإن الخلافات إذا استشرتْ في الحياة الزوجية؛ هزلت وضعفت ومرضت، وربما انتهت -لا قدر الله-. إنها كالسوس الذي ينخر في الساق المتين، فيجعله هباءً منثورًا، وما أجمل أن يضع الزوجان أسلوبًا أو منهجًا، يتفقان عليه في مواجهة المشكلات الزوجية؛ وذلك من أول أيام الزواج.
معرفة الأسباب بداية العلاج:
كل الأمراض وجميع المشكلات لا يمكن حلها أو التغلُّب عليها إلا إذا تمَّ تحديد أسبابها بدقَّة ووضوح، ومن هنا فإن التعرف على الأسباب الحقيقيَّة للخلافات بين الزوجين ضرورة للقضاء عليها، وقد ترجع هذه المشكلات لأسباب متعددة، منها:
- تفريط الزوج في بعض المسئوليات الأسرية، تجاه الأبناء أو تجاه الضيوف أو أهل الزوجة وأقاربها، أو غير ذلك.
- الإهمال من قِبَل أحد الزوجين في أداء حقوق الطرف الآخر.
- سوء الفهم، أو الفهم الخاطئ لموضوع أو موقف معين من قبل أحد الزوجين أو كليهما.
- اختلاف رؤية أو طباع أو عادات أو شخصية كل منهما، مما يظهر في اختلاف موقفهما تجاه أمر واحد.
- التربية الخاطئة للزوجة، فقد تكون أمها كالرقيب أو الشرطي لزوجها، تستجوبه عن كل شيء، فتقوم هي الأخرى بدور أمها مع زوجها.
- سوء الأحوال الاقتصادية؛ فقد يكون الزوج قليل الكسب لإهماله أو كسله، أو سوء تصرفه، أو أنه ينفق من مال زوجته ببذخ وإسراف وبغير رضاها أو قهرًا عنها.
- سوء تصرفات الزوجة الاقتصادية؛ فقد تتصرف في مال زوجها من غير إذنه، وقد تنفق المال في أمور لا تنفع ولا تفيد؛ كشراء الكماليات أو غير ذلك.
- اهتمام الزوجة بالأبناء على حساب الزوج، فقد تعطيهم معظم وقتها، فتحرم الزوج من حقوقه عليها، وقد يختلفان في طريقة أو أسلوب تربية الأبناء.
- سوء علاقة أحد الزوجين بأهل الزوج الآخر، ودوام الشكوى المتبادلة بينهم.
- السماح بتدخُّل الأهل أو الأصدقاء في الحياة الزوجية.
وإجمالاً، يمكن القول: أن أسباب المشكلات الزوجية تأتي من غياب المنهج الإسلامي في العلاقة التي بين الزوجين، والتي تنظم أحوال الأسرة جميعها.
والمرأة الذكية هي التي تستفيد من كل خلاف، فلا تعود إليه أبدًا؛ وأن تتخذ من المصالحة وسيلة جديدة للترابط والتوافق، فتعض عليها بالنواجذ، فالمؤمنة كيسة فطنة لا تُلدغ من جحر مرتين.
منهج التعامل مع المشكلات الزوجية:
إذا ترك الزوجان المشكلات التي تواجههما دون اتفاق على منهج محدد للتغلب عليها، فقد تعصف أمواج هذه المشكلات بحياتهما، ويمكن للزوجين أن يتخذا بعضًا من الأسس والمبادئ كدستور حتى يسهل عليهما التعامل مع الخلافات الزوجية، ومنها:
1- اللجوء إلى جوهر الإسلام فيما يتعلق بالمشكلة والأخذ بما جاء في القرآن والسنة، ثم عرض المشاكل على هذا المنهج والخضوع لرأي الدين فيها.
2- السرية، فليس لأحدهما أن يخبر أحدًا آخر بما دار بينهما من خلاف.
3- خير الزوجين من يبدأ بالسلام، ويقبل على الطرف الآخر ولا يهجره، ويصالحه ويصفح عنه.
4- التناصح والتواصي بالحق، والموعظة الحسنة من قبل الزوجين.
5- الاقتناع والتفاهم والتحاور الهادئ والاعتراف بالأخطاء هو السبيل لحل الخلافات.
6- الاختلاف لا يعني -أبدًا- التشاجر أو التخاصم.
7- التحلي بالصبر والأناة، وترك الغضب والثورة.
8- على الزوجة أن تتسم باللين والطاعة.
9- الاعتذار؛ فعلى من يشعر بالخطأ أن يبادر بالاعتذار للطرف الآخر.
10- لا يجوز الاختلاف على أمر ديني ثابت.
11- لا يجوز الاختلاف على حق يجب لأحدهما على الآخر، كأن يترك الزوج الإنفاق على زوجته، أو تأبى الزوجة طاعة زوجها.
12- تفادي الحرام في الخلافات، فلا يجوز السب أو الحلف بالطلاق، أو ما شابه ذلك.
13- تذكر إيجابيات الطرف الآخر، والمواقف الطيبة بين الزوجين خلال فترة الخلاف، وعند مناقشتها.
14- الانتباه، لأن الرابح الوحيد من الخلافات الزوجية هو عدو الله وعدوهما: الشيطان.
15- لا هجر إلا في البيت، فلا يجوز للزوج ترك البيت والذهاب إلى أحد الأصدقاء أو غيره، إلا أن يظن أن الخير في ذلك فيجوز، فإن تيقن منه، وجب عليه الخروج.
16- لا تترك الزوجة بيت زوجها، وتذهب إلى بيت أهلها مهما كانت المشكلة.
17- إبعاد الأبناء عن المشكلات، فلا يختلف الزوجان أمامهم.
18- السرعة في الحل، فلا يجوز ترك المشكلة وقتًا طويلا قبل المبادرة لحلها.
19- تقليل المدى الزمني للخلافات، فعلى الزوجين أن يتفقا على مدة زمنية، ينتهي الخلاف عندها مهما كان.
20- لا يجوز للزوج أن يضرب زوجته ضربًا مُبَرِّحًا، أو أن يسيء إليها في بدنها، كما لا يجوز أن يضرب الوجه أو يقبح.
21- إذا لم يتفق الزوجان، فعليهما أن يخبرا طرفًا ثالثًا، يُعرف بالصلاح والأمانة؛ ليسعى بالإصلاح بينهما، ويستحب أن يكون من الأقارب.
22- إذا تفاقمت الخلافات بين الزوجين فعليهما أن يبعثا برجل من قبل كل منهما؛ للتشاور والسعي لحل المشكلة.
23- إذا علم الزوجان أن حياتهما لم تعد تطاق، وفشلت كل سبل العلاج والوفاق، وأصبح زواجهما نقمة عليهما، فإن الطلاق -وإن كان أبغض الحلال إلى الله- هو الوسيلة الوحيدة للعلاج في هذه الحالة، عسى أن يصلح به الحال وترفع به المضرة، قال تعالى: {وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته}
[النساء: 130].
وقال تعالى: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليًا كبيرًا. وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما إن الله كان عليمًا خبيرًا} [النساء: 34-35].
والمشكلات الزوجية تتعدد في أشكالها، ودرجة وخطورتها، والأطراف المشتركة فيها، ودرجة تأثيرها، وغير ذلك. ومن المشكلات التي تواجه الزوجين: الغيرة، وسوء العلاقة بأهل الطرف الآخر، وعناد أحد الزوجين، والزوج ذو اللسان السليط، والزوجة الثرثارة والكثيرة الأسئلة عن كل شيء، وغيرها.
مشكلة الغيرة:
الغيرة المباحة شرعًا من شيم النفوس الكريمة، فالمسلم يحب زوجته، ويتمنى لها الخير والصلاح، ويكره لها الفحش والمجون، وكل ما يهون من رفعتها ومقدارها عنده، فغيرة الزوج على زوجته من الإيمان، وبها تسعد وتفخر كل زوجة مسلمة، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي العبد ما حرَّم الله)_[متفق عليه].
والرجل الذي لا يغار على أهله، ولا يغضب إذا رأى زوجته متبرجة، أو رآها وهي تحدث الرجال في ميوعة أو خضوع فإنه ديوث يقبل الفحش والسوء على أهله، قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يدخلون الجنَّة: العاق لوالديه، والديوث، ورَجُلَة النساء (وهي التي تتشبه بالرجال من النساء)) [النسائي].
ويجب على المسلم أن لا يغار على زوجته إلا في موطن يستحق الغيرة -وكذا الزوجة- قال صلى الله عليه وسلم: (من الغيرة ما يحبه الله، ومنها ما يكره الله، فأمَّا ما يحبُّ الله فالغيرة في الريبة (أي: في مواطن الشك)، وأما ما يكره فالغيرة في غير ريبة) [ابن ماجه].
فيجب على كل زوجين أن يبتعدا عن مواطن الشبهات. قال صلى الله عليه وسلم: (إن الحلال بيِّن، وإن الحرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعِرْضِه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام) [متفق عليه]. ولذا يجب على المسلم أن يبتعد عن دور اللهو والفساد، فيراه الله حيث أمره، ويفتقده حيث نهاه.
والمرأة تمنع الغيرة والريبة عن زوجها إذا تحلتْ بالفضائل، والتزمتْ بأوامر الشرع في خروجها من بيتها، وفي زيها، وقولها، وفعلها، ومشيتها، وفي سائر أخلاقها، والرجل يدفع الغيرة عن زوجته، إذا تمسك بأوامر الله، وانتهى عن نواهيه في كل أحواله.
والغيرة المعتدلة تحفظ العلاقة الزوجية، وتوفر السعادة، وتقضي على كثير من المشكلات، أما إذا اشتدتْ الغيرة (وهي الغيرة في غير ريبة)، فأصبح كل من الزوجين يشك في الآخر، ويتمنى أن يكون شرطيًّا على رفيقه، يراقبه في كل أعماله، ويسأله عن كل صغيرة وكبيرة، فهذا مما يوجد أسباب الخلاف، فتكون الغيرة مدخلاً للشيطان بين الزوجين، وربما أحدث الفرقة من هذه السبيل، وعلى الزوجين أن يثقا في بعضهما البعض، فلا يكثرا من الظن والشك، فذلك وسوسة من الشيطان، قال صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن، فإنه أكذب الحديث) [أحمد، وأبو داود، والترمذي].
والزوجة الفَطِنَة هي التي تبعد الغيرة عن زوجها،فلا تصف رجلا أمامه، ولا تمدحه ولا تثني عليه؛ فذلك مما يسبب غيرته، وضيق صدره، مما قد يدخل التعاسة بين الزوجين، بل تمتدح زوجها وتثني عليه بما فيه من خير، وتعترف بفضله، وعلى الزوجة أن لا تمنع زوجها من زيارة أهله بدافع الغيرة، وليكن شعارها: من أحب أحدًا أحب من يحبه. وهذا يساعد على استقرار الحياة الزوجية ودوام المودة والقربى.
مشاكل تتعلق بأهل الزوجين:
قد تنشأ بين الزوجين مشاكل تتعلق بأهل أحدهما، وربما تتفاقم هذه المشاكل حتى تصبح عائقًا أمام سعادتهما، ولها مظاهر كثيرة منها:
-خروج الزوجة من بيت زوجها لزيارة أهلها بدون إذنه؛ مما يغضبه. فعلى الزوجة أن تستأذن زوجها عند خروجها، وعلى الزوج أن يسمح لها بزيارتهم، ويذهب معها كلما استطاع، وعلى الزوجة أن تعلم أنه قد أصبح لها بيت آخر غير بيتها الذي نشأت فيه، فلا تكثر من زيارة أهلها، وتهتم ببيتها، وترعى شؤونه، فلابد لها من فطام أسري تستعين به على قضاء حاجات
زوجها وبيته.
- اختلاف الزوجة مع أهل زوجها إن كانوا يسكنون معها في بيت واحد، فعلى الزوجة أن تكون مطيعة لأم زوجها، فلا تكثر من الاختلاف والتشاجر معها أو التخاصم، ولا تدفع زوجها إلى مقاطعة أهله، ولتكن عاملا مساعدًا في تقريب الزوج من أهله، والمسارعة إلى إزالة أسباب الخلاف بين زوجها وأهله، وعليها أن تنظر إلى أم الزوج وأبيه كنظرتها لوالديها، وتعامل أخواته كأخواتها، ولتجعل من نفسها أمًّا لهم إذا كانوا صغارًا، وعليها أن تترفع عن الأمور الصغيرة وتتجاوز عنها.
- دخول الرجال من أهل الزوج على الزوجة: فعلى الزوجة أن تتفق مع زوجها في هذه المسألة، فلا يدخل عليها في بيتها أحد من أقاربه في غيابه، قال صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الْحَمُو (أخو الزوج)؟ قال: (الْحَمُو الموت)
[البخاري، ومسلم].
- غضب الزوجة إذا أنفق الزوج كثيرًا من ماله على أهله، برًّا بهم، وهذا لا يليق بالمسلمة، بل عليها أن تمدح له ذلك.
- بخل الزوج في معاملته لأهل زوجته، أو بخل الزوجة في معاملة أهل زوجها، فالبخل ليس من شيم المسلمين، فما بالنا به مع الأهل والأصهار.
- كثرة استضافة الزوج لأهله في البيت، وإرهاق الزوجة في خدمتهم، والمسلمة صحيحة الفهم تفرح لذلك، وتجعله مدخلا لقلب زوجها، وبابًا واسعًا من أبواب كسب الحسنات.
- إهمال أهل الزوج في حق الزوجة، وعلى المسلمة أن تتسامح في مثل هذه الأمور من أجل زوجها، فتكسب الكثير إذا أشعرته أنها تقابل السيئة بالحسنة إرضاء لله تعالى.
- تدخُّل أهل أحد الزوجين الدائم والزائد في حياتهما، مما يحدث خلافات ومضايقات لهما، وعلى الزوجة هنا أن تبعد أهلها عن حياتها الخاصة مع زوجها، وأن تتفاهم مع زوجها في تودد في حالة تدخل أهله في حياتهما، وأن مثل هذه التدخلات قد يُحدِث تصدعًا في حياتهما.
وعلى كل من الزوجين أن يسعى لإيجاد الترابط والوفاق بين رفيقه وبين أهله وأقاربه، فإذا خاصمتْ الزوجة أهلها، فعلى الزوج أن يصلح بينهما. قال تعالى: {والصلح خير} [النساء: 128] وذلك لتدوم العلاقة الأسرية وطيدة، فيقوى المجتمع، ويتفرغ أبناؤه لمواجهة المشاكل الحقيقيَّة التي تواجه الأمة الإسلامية. وعليهما أن يداوما على زيارة أقاربهما حتى وإن لم يصلوهما، قال صلى الله عليه وسلم: (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها)_[البخاري وأبو داود والترمذي].
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلُم عليهم ويجهلون علي، فقال صلى الله عليه وسلم: (إذا كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملَّ (الرماد الحار)، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك). [مسلم].
وقد حذر الشرع من قطع الأرحام، واتهم من يرتكب ذلك بالإفساد في الأرض، قال تعالى: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم. أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم} [محمد: 22-23]. وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قاطع رحم) [مسلم].
- عناد أحد الزوجين: فعلى الزوجة أن تكون لطيفة لينة هينة مع زوجها بلا عناد ولا غضب. والعناد منع الحق مع العلم به، وهو مثيل الكبر، وكل متكبر عاقبته وخيمة، وقد قيل: العناد يورِّث الكفر. وقد وردت لفظة العنيد في القرآن الكريم أربع مرات، فاقترنتْ بالكفر والجبروت، فقد تخالف المرأة زوجها في الرأي عنادًا، وتصرُّ على موقفها بشكل متصلِّب، وهذا الفعل من عمل الشيطان، ومما يسعده، والمسلمة العاقلة لا تعرف العناد، فهي ترضي زوجها، وتطيعه وتلين له، وتنزل عن رأيها، وتميل إلى رأيه؛ إرضاءً له ما لم يكن مخالفًا للشرع.
والزوجة الذكية هي التي لا تواجه زوجها عند الغضب، وتغتنم لحظات المودة بينهما، فتنصحه بلطف وبشكل غير مباشر، وبأسلوب رقيق، مع تذكيره بسائر مزاياه الطيبة - أثناء ذلك-، وأنها تراه نموذجًا كاملا للزوج، ولكن حبذا لو ابتعد عن العناد والغضب؛ حتى لا يسيء ذلك إلى كماله أو رجاحة عقله وشخصيته.
مشكلة الزوج ذي اللسان السليط:
الكلمة الطيبة صدقة، ولها فعل السحر في نفوس الناس؛ فهي تبني ولا تهدم، وتصلح ولا تفسد، وعلى الزوجين أن يراعي كل منهما مشاعر الآخر وأحاسيسه، فلا يؤذيه بكلمة بذيئة أو لفظة نابية، وقد تُبْتَلَى المرأة بزوج سليط اللسان، يتطاول عليها بالسب واللعن، فعليها أن تصبر على أذاه، وأن لا تصنع ما يغضبه أويثيره، وعليها أن تتجمَّل عند ثورته بالهدوء، وأن تتصرف بحكمة؛ لتمتص غضبه. عليها أن تنتهز وقت هدوئه وصفائه، فتنصحه برفق وأناة وحلم، وتذكره بأن المسلم لا يكون طعّانًا، ولا لعَّانًا، ولا بذيء اللسان، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد مُدِح بخلقه الكريم، قال تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم} [القلم: 4].
وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في الكلمة الطيبة، وحذر مما سواها، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسًا، يهوي بها سبعين خريفًا في النار) [الترمذي والحاكم]. وقال صلى الله عليه وسلم
-أيضًا-: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى، ما يظن أن تبلغ ما بلغتْ، فيكتُب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغتْ، فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة)_[أحمد، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان].
فالزوجة إذا ما تحلَّتْ بالصبر على إساءة زوجها، وأخلصت في النصح له، فلابد وأن ينصلح حاله، وأن يصبح رجلا طيب اللسان، حلو الكلام. وعلى الزوجة أن تدعو لزوجها في صلاتها، وفي الأوقات الأخرى التي يفضل الدعاء فيها بأن يهديه الله ويصلح من عيوبه، ويعصمه من البذاءة.
مشكلة ثرثرة الزوجة وكثرة أسئلتها لزوجها:
على الزوجة أن لا تكثر من الثرثرة مع زوجها بعد عودته من عمله، فإنه يلقى من التعب والمشقة في يومه ما يتطلب الراحة والهدوء، بل عليها أن تحسن استقباله، وتخفف عنه تعبه، وعليها أن تتجنب كثرة الأسئلة، وأن لا تلح عليه في الإجابة عن سؤال لا يرغب في الإجابة عنه، مما قد يوقعه في حرج، فيوغر صدره نحوها، والزوجة الفطنة تستعين عن الإلحاح في السؤال بالجلسة الهادئة بينها وبين زوجها، فتبدأ الحوار بالكلام عن أحداث يومها، فلعل حديثها يريحه ويذهب بملله أو تعبه، فيبدأ بالتحدث عما في نفسه، فتحصل الزوجة على ما تريد أن تعرفه، أو تتأكد منه دون إحراج لزوجها.
الزوج الصامت والزوج الثرثار:
وهناك نوع من الرجال صامت دائمًا.. الصمت من طبعه، فهو لا يتحدث بمقدار ما يسمع، وربما تعبت الزوجة؛ لأنها تظل تتحدث، وهو يستمع إليها دون أن يرد عليها ولو بكلمة، اللهم إلا إيماءة برأسه أو نظرة بعينه، وعلى الزوجة ألا تغضب من ذلك السكوت، فهي مع الأيام ستتعود على أن تتكلم، ويسمعها أو يغير هو من طبعه.
وعلى العكس فهناك نوع من الأزواج لا يمل الحديث، ولا يعطي لزوجته فرصة لأن تقص عليه أحداث يومها مثلاً، أو أن تحدثه بما يضايقها أو يهمها، وإنما يظل يحكي ويتكلم، ويطلب ويأمر، فما إن تنتهي من عمل حتى يكلفها بغيره مع امتصاص غضبها ببعض الكلمات الحلوة.. والنساء بطبعهن يحببن التحدث، فلا تغضب الزوجة من كثرة كلام زوجها، وإنما عليها أن تستمع إليه مصغية حتى إذا انتهى من حديثه، استغلتْ الفرصة لتتكلم هي، ولكن عليها ألا تزعجه بكثرة الحديث إلا إذا وجدت منه تجاوبًا معها وإنصاتًا منه.
الحياة الزوجية قوامها المودة والرحمة، والحب والتفاهم، وحسن العشرة، والمشاركة، والتعاون، والشياطين تسعى بكل ما أوتيتْ من حيل للإفساد والتفريق بين الأزواج، فهي لا ترجو الصلاح ولا الاستقرار للمسلمين.
وأعلى الشياطين منزلة عند إبليس، وأقربهم إليه، وأدناهم منه منزلة؛ ذلك الذي يفرق بين زوجين. قال صلى الله عليه وسلم: (إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه (جنوده)، فأدناهم منه منزلة: أعظمهم فتنة (إغواءً وإفسادًا) يجيء أحدهم، فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئًا. ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقتُ بينه وبين امرأته، فيدنيه منه ويقول: نِعْمَ أنتَ، فيلتزمه (أي: يحتضنه)) [مسلم].
وقال تعالى: {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون} [البقرة: 102].
فعلى كل زوجين أن يعلما أن شياطين الجن والإنس لهما بالمرصاد، فهم يتربصون بكل زوجين، ويضمرون لهما العداوة والبغضاء، فيصعِّدون الخلافات البسيطة مما يجعلها ذات حجم أكبر من أصلها، وربما كانت سببًا في إحداث الفرقة بينهما.
لا للخلافات الزوجية:
هذا هو الشعار الذي يجب أن يرفعه الزوجان، وذلك بأن يجعلا المناخ الأسري، والعلاقة بينهما بلاخلافات، وليس فيها مكان للمشكلات، وأن تكون العلاقة بينهما تربة صالحة، لا تنبتُ إلا الزهور والورود، ولا تعرف الأشواك، وإذا عرفتها، عرفت كيف تتعامل معها، حتى لا تتأثر بها وتتضرر، لكن الوقاية خير من العلاج، وخصوصًا في الخلافات الزوجية، فيجب وأْد هذه الخلافات مبكرًا، وأن تُجتزَّ من جذورها قبل أن يقوي عودها، ويصعب نزعها.
ويجب على الزوجين أن يسرعا في علاج الخلافات في بدايتها، وأن لا يهملا هذا الأمر، فالتواني والقعود عن حلها يعني تأصيلها وتغلغلها في جسد الحياة الزوجية. وإن الخلافات إذا استشرتْ في الحياة الزوجية؛ هزلت وضعفت ومرضت، وربما انتهت -لا قدر الله-. إنها كالسوس الذي ينخر في الساق المتين، فيجعله هباءً منثورًا، وما أجمل أن يضع الزوجان أسلوبًا أو منهجًا، يتفقان عليه في مواجهة المشكلات الزوجية؛ وذلك من أول أيام الزواج.
معرفة الأسباب بداية العلاج:
كل الأمراض وجميع المشكلات لا يمكن حلها أو التغلُّب عليها إلا إذا تمَّ تحديد أسبابها بدقَّة ووضوح، ومن هنا فإن التعرف على الأسباب الحقيقيَّة للخلافات بين الزوجين ضرورة للقضاء عليها، وقد ترجع هذه المشكلات لأسباب متعددة، منها:
- تفريط الزوج في بعض المسئوليات الأسرية، تجاه الأبناء أو تجاه الضيوف أو أهل الزوجة وأقاربها، أو غير ذلك.
- الإهمال من قِبَل أحد الزوجين في أداء حقوق الطرف الآخر.
- سوء الفهم، أو الفهم الخاطئ لموضوع أو موقف معين من قبل أحد الزوجين أو كليهما.
- اختلاف رؤية أو طباع أو عادات أو شخصية كل منهما، مما يظهر في اختلاف موقفهما تجاه أمر واحد.
- التربية الخاطئة للزوجة، فقد تكون أمها كالرقيب أو الشرطي لزوجها، تستجوبه عن كل شيء، فتقوم هي الأخرى بدور أمها مع زوجها.
- سوء الأحوال الاقتصادية؛ فقد يكون الزوج قليل الكسب لإهماله أو كسله، أو سوء تصرفه، أو أنه ينفق من مال زوجته ببذخ وإسراف وبغير رضاها أو قهرًا عنها.
- سوء تصرفات الزوجة الاقتصادية؛ فقد تتصرف في مال زوجها من غير إذنه، وقد تنفق المال في أمور لا تنفع ولا تفيد؛ كشراء الكماليات أو غير ذلك.
- اهتمام الزوجة بالأبناء على حساب الزوج، فقد تعطيهم معظم وقتها، فتحرم الزوج من حقوقه عليها، وقد يختلفان في طريقة أو أسلوب تربية الأبناء.
- سوء علاقة أحد الزوجين بأهل الزوج الآخر، ودوام الشكوى المتبادلة بينهم.
- السماح بتدخُّل الأهل أو الأصدقاء في الحياة الزوجية.
وإجمالاً، يمكن القول: أن أسباب المشكلات الزوجية تأتي من غياب المنهج الإسلامي في العلاقة التي بين الزوجين، والتي تنظم أحوال الأسرة جميعها.
والمرأة الذكية هي التي تستفيد من كل خلاف، فلا تعود إليه أبدًا؛ وأن تتخذ من المصالحة وسيلة جديدة للترابط والتوافق، فتعض عليها بالنواجذ، فالمؤمنة كيسة فطنة لا تُلدغ من جحر مرتين.
منهج التعامل مع المشكلات الزوجية:
إذا ترك الزوجان المشكلات التي تواجههما دون اتفاق على منهج محدد للتغلب عليها، فقد تعصف أمواج هذه المشكلات بحياتهما، ويمكن للزوجين أن يتخذا بعضًا من الأسس والمبادئ كدستور حتى يسهل عليهما التعامل مع الخلافات الزوجية، ومنها:
1- اللجوء إلى جوهر الإسلام فيما يتعلق بالمشكلة والأخذ بما جاء في القرآن والسنة، ثم عرض المشاكل على هذا المنهج والخضوع لرأي الدين فيها.
2- السرية، فليس لأحدهما أن يخبر أحدًا آخر بما دار بينهما من خلاف.
3- خير الزوجين من يبدأ بالسلام، ويقبل على الطرف الآخر ولا يهجره، ويصالحه ويصفح عنه.
4- التناصح والتواصي بالحق، والموعظة الحسنة من قبل الزوجين.
5- الاقتناع والتفاهم والتحاور الهادئ والاعتراف بالأخطاء هو السبيل لحل الخلافات.
6- الاختلاف لا يعني -أبدًا- التشاجر أو التخاصم.
7- التحلي بالصبر والأناة، وترك الغضب والثورة.
8- على الزوجة أن تتسم باللين والطاعة.
9- الاعتذار؛ فعلى من يشعر بالخطأ أن يبادر بالاعتذار للطرف الآخر.
10- لا يجوز الاختلاف على أمر ديني ثابت.
11- لا يجوز الاختلاف على حق يجب لأحدهما على الآخر، كأن يترك الزوج الإنفاق على زوجته، أو تأبى الزوجة طاعة زوجها.
12- تفادي الحرام في الخلافات، فلا يجوز السب أو الحلف بالطلاق، أو ما شابه ذلك.
13- تذكر إيجابيات الطرف الآخر، والمواقف الطيبة بين الزوجين خلال فترة الخلاف، وعند مناقشتها.
14- الانتباه، لأن الرابح الوحيد من الخلافات الزوجية هو عدو الله وعدوهما: الشيطان.
15- لا هجر إلا في البيت، فلا يجوز للزوج ترك البيت والذهاب إلى أحد الأصدقاء أو غيره، إلا أن يظن أن الخير في ذلك فيجوز، فإن تيقن منه، وجب عليه الخروج.
16- لا تترك الزوجة بيت زوجها، وتذهب إلى بيت أهلها مهما كانت المشكلة.
17- إبعاد الأبناء عن المشكلات، فلا يختلف الزوجان أمامهم.
18- السرعة في الحل، فلا يجوز ترك المشكلة وقتًا طويلا قبل المبادرة لحلها.
19- تقليل المدى الزمني للخلافات، فعلى الزوجين أن يتفقا على مدة زمنية، ينتهي الخلاف عندها مهما كان.
20- لا يجوز للزوج أن يضرب زوجته ضربًا مُبَرِّحًا، أو أن يسيء إليها في بدنها، كما لا يجوز أن يضرب الوجه أو يقبح.
21- إذا لم يتفق الزوجان، فعليهما أن يخبرا طرفًا ثالثًا، يُعرف بالصلاح والأمانة؛ ليسعى بالإصلاح بينهما، ويستحب أن يكون من الأقارب.
22- إذا تفاقمت الخلافات بين الزوجين فعليهما أن يبعثا برجل من قبل كل منهما؛ للتشاور والسعي لحل المشكلة.
23- إذا علم الزوجان أن حياتهما لم تعد تطاق، وفشلت كل سبل العلاج والوفاق، وأصبح زواجهما نقمة عليهما، فإن الطلاق -وإن كان أبغض الحلال إلى الله- هو الوسيلة الوحيدة للعلاج في هذه الحالة، عسى أن يصلح به الحال وترفع به المضرة، قال تعالى: {وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته}
[النساء: 130].
وقال تعالى: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليًا كبيرًا. وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما إن الله كان عليمًا خبيرًا} [النساء: 34-35].
والمشكلات الزوجية تتعدد في أشكالها، ودرجة وخطورتها، والأطراف المشتركة فيها، ودرجة تأثيرها، وغير ذلك. ومن المشكلات التي تواجه الزوجين: الغيرة، وسوء العلاقة بأهل الطرف الآخر، وعناد أحد الزوجين، والزوج ذو اللسان السليط، والزوجة الثرثارة والكثيرة الأسئلة عن كل شيء، وغيرها.
مشكلة الغيرة:
الغيرة المباحة شرعًا من شيم النفوس الكريمة، فالمسلم يحب زوجته، ويتمنى لها الخير والصلاح، ويكره لها الفحش والمجون، وكل ما يهون من رفعتها ومقدارها عنده، فغيرة الزوج على زوجته من الإيمان، وبها تسعد وتفخر كل زوجة مسلمة، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي العبد ما حرَّم الله)_[متفق عليه].
والرجل الذي لا يغار على أهله، ولا يغضب إذا رأى زوجته متبرجة، أو رآها وهي تحدث الرجال في ميوعة أو خضوع فإنه ديوث يقبل الفحش والسوء على أهله، قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يدخلون الجنَّة: العاق لوالديه، والديوث، ورَجُلَة النساء (وهي التي تتشبه بالرجال من النساء)) [النسائي].
ويجب على المسلم أن لا يغار على زوجته إلا في موطن يستحق الغيرة -وكذا الزوجة- قال صلى الله عليه وسلم: (من الغيرة ما يحبه الله، ومنها ما يكره الله، فأمَّا ما يحبُّ الله فالغيرة في الريبة (أي: في مواطن الشك)، وأما ما يكره فالغيرة في غير ريبة) [ابن ماجه].
فيجب على كل زوجين أن يبتعدا عن مواطن الشبهات. قال صلى الله عليه وسلم: (إن الحلال بيِّن، وإن الحرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعِرْضِه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام) [متفق عليه]. ولذا يجب على المسلم أن يبتعد عن دور اللهو والفساد، فيراه الله حيث أمره، ويفتقده حيث نهاه.
والمرأة تمنع الغيرة والريبة عن زوجها إذا تحلتْ بالفضائل، والتزمتْ بأوامر الشرع في خروجها من بيتها، وفي زيها، وقولها، وفعلها، ومشيتها، وفي سائر أخلاقها، والرجل يدفع الغيرة عن زوجته، إذا تمسك بأوامر الله، وانتهى عن نواهيه في كل أحواله.
والغيرة المعتدلة تحفظ العلاقة الزوجية، وتوفر السعادة، وتقضي على كثير من المشكلات، أما إذا اشتدتْ الغيرة (وهي الغيرة في غير ريبة)، فأصبح كل من الزوجين يشك في الآخر، ويتمنى أن يكون شرطيًّا على رفيقه، يراقبه في كل أعماله، ويسأله عن كل صغيرة وكبيرة، فهذا مما يوجد أسباب الخلاف، فتكون الغيرة مدخلاً للشيطان بين الزوجين، وربما أحدث الفرقة من هذه السبيل، وعلى الزوجين أن يثقا في بعضهما البعض، فلا يكثرا من الظن والشك، فذلك وسوسة من الشيطان، قال صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن، فإنه أكذب الحديث) [أحمد، وأبو داود، والترمذي].
والزوجة الفَطِنَة هي التي تبعد الغيرة عن زوجها،فلا تصف رجلا أمامه، ولا تمدحه ولا تثني عليه؛ فذلك مما يسبب غيرته، وضيق صدره، مما قد يدخل التعاسة بين الزوجين، بل تمتدح زوجها وتثني عليه بما فيه من خير، وتعترف بفضله، وعلى الزوجة أن لا تمنع زوجها من زيارة أهله بدافع الغيرة، وليكن شعارها: من أحب أحدًا أحب من يحبه. وهذا يساعد على استقرار الحياة الزوجية ودوام المودة والقربى.
مشاكل تتعلق بأهل الزوجين:
قد تنشأ بين الزوجين مشاكل تتعلق بأهل أحدهما، وربما تتفاقم هذه المشاكل حتى تصبح عائقًا أمام سعادتهما، ولها مظاهر كثيرة منها:
-خروج الزوجة من بيت زوجها لزيارة أهلها بدون إذنه؛ مما يغضبه. فعلى الزوجة أن تستأذن زوجها عند خروجها، وعلى الزوج أن يسمح لها بزيارتهم، ويذهب معها كلما استطاع، وعلى الزوجة أن تعلم أنه قد أصبح لها بيت آخر غير بيتها الذي نشأت فيه، فلا تكثر من زيارة أهلها، وتهتم ببيتها، وترعى شؤونه، فلابد لها من فطام أسري تستعين به على قضاء حاجات
زوجها وبيته.
- اختلاف الزوجة مع أهل زوجها إن كانوا يسكنون معها في بيت واحد، فعلى الزوجة أن تكون مطيعة لأم زوجها، فلا تكثر من الاختلاف والتشاجر معها أو التخاصم، ولا تدفع زوجها إلى مقاطعة أهله، ولتكن عاملا مساعدًا في تقريب الزوج من أهله، والمسارعة إلى إزالة أسباب الخلاف بين زوجها وأهله، وعليها أن تنظر إلى أم الزوج وأبيه كنظرتها لوالديها، وتعامل أخواته كأخواتها، ولتجعل من نفسها أمًّا لهم إذا كانوا صغارًا، وعليها أن تترفع عن الأمور الصغيرة وتتجاوز عنها.
- دخول الرجال من أهل الزوج على الزوجة: فعلى الزوجة أن تتفق مع زوجها في هذه المسألة، فلا يدخل عليها في بيتها أحد من أقاربه في غيابه، قال صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الْحَمُو (أخو الزوج)؟ قال: (الْحَمُو الموت)
[البخاري، ومسلم].
- غضب الزوجة إذا أنفق الزوج كثيرًا من ماله على أهله، برًّا بهم، وهذا لا يليق بالمسلمة، بل عليها أن تمدح له ذلك.
- بخل الزوج في معاملته لأهل زوجته، أو بخل الزوجة في معاملة أهل زوجها، فالبخل ليس من شيم المسلمين، فما بالنا به مع الأهل والأصهار.
- كثرة استضافة الزوج لأهله في البيت، وإرهاق الزوجة في خدمتهم، والمسلمة صحيحة الفهم تفرح لذلك، وتجعله مدخلا لقلب زوجها، وبابًا واسعًا من أبواب كسب الحسنات.
- إهمال أهل الزوج في حق الزوجة، وعلى المسلمة أن تتسامح في مثل هذه الأمور من أجل زوجها، فتكسب الكثير إذا أشعرته أنها تقابل السيئة بالحسنة إرضاء لله تعالى.
- تدخُّل أهل أحد الزوجين الدائم والزائد في حياتهما، مما يحدث خلافات ومضايقات لهما، وعلى الزوجة هنا أن تبعد أهلها عن حياتها الخاصة مع زوجها، وأن تتفاهم مع زوجها في تودد في حالة تدخل أهله في حياتهما، وأن مثل هذه التدخلات قد يُحدِث تصدعًا في حياتهما.
وعلى كل من الزوجين أن يسعى لإيجاد الترابط والوفاق بين رفيقه وبين أهله وأقاربه، فإذا خاصمتْ الزوجة أهلها، فعلى الزوج أن يصلح بينهما. قال تعالى: {والصلح خير} [النساء: 128] وذلك لتدوم العلاقة الأسرية وطيدة، فيقوى المجتمع، ويتفرغ أبناؤه لمواجهة المشاكل الحقيقيَّة التي تواجه الأمة الإسلامية. وعليهما أن يداوما على زيارة أقاربهما حتى وإن لم يصلوهما، قال صلى الله عليه وسلم: (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها)_[البخاري وأبو داود والترمذي].
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلُم عليهم ويجهلون علي، فقال صلى الله عليه وسلم: (إذا كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملَّ (الرماد الحار)، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك). [مسلم].
وقد حذر الشرع من قطع الأرحام، واتهم من يرتكب ذلك بالإفساد في الأرض، قال تعالى: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم. أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم} [محمد: 22-23]. وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قاطع رحم) [مسلم].
- عناد أحد الزوجين: فعلى الزوجة أن تكون لطيفة لينة هينة مع زوجها بلا عناد ولا غضب. والعناد منع الحق مع العلم به، وهو مثيل الكبر، وكل متكبر عاقبته وخيمة، وقد قيل: العناد يورِّث الكفر. وقد وردت لفظة العنيد في القرآن الكريم أربع مرات، فاقترنتْ بالكفر والجبروت، فقد تخالف المرأة زوجها في الرأي عنادًا، وتصرُّ على موقفها بشكل متصلِّب، وهذا الفعل من عمل الشيطان، ومما يسعده، والمسلمة العاقلة لا تعرف العناد، فهي ترضي زوجها، وتطيعه وتلين له، وتنزل عن رأيها، وتميل إلى رأيه؛ إرضاءً له ما لم يكن مخالفًا للشرع.
والزوجة الذكية هي التي لا تواجه زوجها عند الغضب، وتغتنم لحظات المودة بينهما، فتنصحه بلطف وبشكل غير مباشر، وبأسلوب رقيق، مع تذكيره بسائر مزاياه الطيبة - أثناء ذلك-، وأنها تراه نموذجًا كاملا للزوج، ولكن حبذا لو ابتعد عن العناد والغضب؛ حتى لا يسيء ذلك إلى كماله أو رجاحة عقله وشخصيته.
مشكلة الزوج ذي اللسان السليط:
الكلمة الطيبة صدقة، ولها فعل السحر في نفوس الناس؛ فهي تبني ولا تهدم، وتصلح ولا تفسد، وعلى الزوجين أن يراعي كل منهما مشاعر الآخر وأحاسيسه، فلا يؤذيه بكلمة بذيئة أو لفظة نابية، وقد تُبْتَلَى المرأة بزوج سليط اللسان، يتطاول عليها بالسب واللعن، فعليها أن تصبر على أذاه، وأن لا تصنع ما يغضبه أويثيره، وعليها أن تتجمَّل عند ثورته بالهدوء، وأن تتصرف بحكمة؛ لتمتص غضبه. عليها أن تنتهز وقت هدوئه وصفائه، فتنصحه برفق وأناة وحلم، وتذكره بأن المسلم لا يكون طعّانًا، ولا لعَّانًا، ولا بذيء اللسان، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد مُدِح بخلقه الكريم، قال تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم} [القلم: 4].
وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في الكلمة الطيبة، وحذر مما سواها، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسًا، يهوي بها سبعين خريفًا في النار) [الترمذي والحاكم]. وقال صلى الله عليه وسلم
-أيضًا-: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى، ما يظن أن تبلغ ما بلغتْ، فيكتُب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغتْ، فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة)_[أحمد، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان].
فالزوجة إذا ما تحلَّتْ بالصبر على إساءة زوجها، وأخلصت في النصح له، فلابد وأن ينصلح حاله، وأن يصبح رجلا طيب اللسان، حلو الكلام. وعلى الزوجة أن تدعو لزوجها في صلاتها، وفي الأوقات الأخرى التي يفضل الدعاء فيها بأن يهديه الله ويصلح من عيوبه، ويعصمه من البذاءة.
مشكلة ثرثرة الزوجة وكثرة أسئلتها لزوجها:
على الزوجة أن لا تكثر من الثرثرة مع زوجها بعد عودته من عمله، فإنه يلقى من التعب والمشقة في يومه ما يتطلب الراحة والهدوء، بل عليها أن تحسن استقباله، وتخفف عنه تعبه، وعليها أن تتجنب كثرة الأسئلة، وأن لا تلح عليه في الإجابة عن سؤال لا يرغب في الإجابة عنه، مما قد يوقعه في حرج، فيوغر صدره نحوها، والزوجة الفطنة تستعين عن الإلحاح في السؤال بالجلسة الهادئة بينها وبين زوجها، فتبدأ الحوار بالكلام عن أحداث يومها، فلعل حديثها يريحه ويذهب بملله أو تعبه، فيبدأ بالتحدث عما في نفسه، فتحصل الزوجة على ما تريد أن تعرفه، أو تتأكد منه دون إحراج لزوجها.
الزوج الصامت والزوج الثرثار:
وهناك نوع من الرجال صامت دائمًا.. الصمت من طبعه، فهو لا يتحدث بمقدار ما يسمع، وربما تعبت الزوجة؛ لأنها تظل تتحدث، وهو يستمع إليها دون أن يرد عليها ولو بكلمة، اللهم إلا إيماءة برأسه أو نظرة بعينه، وعلى الزوجة ألا تغضب من ذلك السكوت، فهي مع الأيام ستتعود على أن تتكلم، ويسمعها أو يغير هو من طبعه.
وعلى العكس فهناك نوع من الأزواج لا يمل الحديث، ولا يعطي لزوجته فرصة لأن تقص عليه أحداث يومها مثلاً، أو أن تحدثه بما يضايقها أو يهمها، وإنما يظل يحكي ويتكلم، ويطلب ويأمر، فما إن تنتهي من عمل حتى يكلفها بغيره مع امتصاص غضبها ببعض الكلمات الحلوة.. والنساء بطبعهن يحببن التحدث، فلا تغضب الزوجة من كثرة كلام زوجها، وإنما عليها أن تستمع إليه مصغية حتى إذا انتهى من حديثه، استغلتْ الفرصة لتتكلم هي، ولكن عليها ألا تزعجه بكثرة الحديث إلا إذا وجدت منه تجاوبًا معها وإنصاتًا منه.